Thursday 27 February 2014

شوارع القاهرة حكايات لها تاريخ

تقرير: هدى أحمد – فاطمة الزمر.

شوارع القاهرة الفاطمية شوارع لها تاريخ يمتد لجميع العصور ، تحولت أشكالها من عصر لآخر ، ومن العصور البائدة إلى العصر الحالي عاش فيها كثير من علماء مصر وأدبائها وفنانيها فهي أصل كل شئ وهي روح القاهرة إلى الآن.
وقد تغيرت أسماء هذه الشوارع وتغير معها سكانها وعاداتهم وتقاليدهم ولكنهم جميعا ينتمون إلى هذه الأماكن التي مازالت ساحرة رغم كل ما حل بها من أحداث غيرت ملامحها والتي مازالت معبرة عن تاريخ مصر بعصوره المختلفة حتى الآن .
وقد بدأت رحلتنا من جوار الجامع الأزهر والتي استمرت لمدة تصل إلى سبع ساعات حتى وصلنا في النهاية إلى حي القلعة ثم بعدها إلى السيدة عائشة لنعود إلى ديارنا ، وخلال هذه المسافة عرفنا الكثير والكثير عن شوارع القاهرة الفاطمية.
بأسماء علماء الأزهر
حيث سميت أغلب الشوارع الخلفية للجامع الأزهر بأسماء علماء الأزهر فنجد شارع الإمام محمد عبده وهو نسبة بالطبع إلى الإمام محمد عبده ومن هذا الشارع تفرع العديد من الشوارع التي حملت أسماء العلماء ومنها شارع البيطار ( المقريزي سابقا ) على حد قول الحاج صبحي غريب الذي يعمل دخاخني بالمنطقة منذ سبعين عاما ، وقال أن اسم المقريزي تحول إلى البيطار بعد ثورة 1952 ولكن بعض الأسماء بقيت كما هي مثل حارة جمال الدين الأفغاني حيث بني فيها مدرسة عرفت بأسمه ، ولكن الذي أكد عليه الحاج صبحي هو أن معظم الناس يفضلون الأسماء القديمة للشوارع لأنها تراث يدل على تاريخنا ، وأضاف أن شارع محمد عبده تتفرع منه حارات عديدة منها حارة العيني نسبة إلى شهاب الدين أحمد العيني الذي قام ببناء القصر العيني ومدرسة العيني .
نوادر الشيخ عليش
ولم يصل الحد في تسمية الشوارع بأسماء العلماء فقط ولكنه وصل أيضا إلى الحواري والأزقة مما إن دل فيدل على محاولة إحتفاظ هذه المنطقة بأمجاد الماضي التي أوشكت على الأندثار ، وفي طريقنا وجدنا عطفة تسمى عطفة الجوار ، وكان قد ذكر لنا الحاج صبحي أن سبب تسميتها هو إندفاع الكثير من الناس إليها وتجاورهم معا في أماكن الجلوس لسماع الأحاديث التي كان يلقيها عليهم شيخ الإسلام الشيخ عليش .
وعلمنا أن بيته مازال موجودا وأن هذه العطفة خلف بيته ، فأردنا أن نعرف قصة هذا الرجل الذي لم يعرف عنه إلا القليل من أهل مصر والكثير من أهل منطقته ، فذهبنا إلى بيته بعد عناء طويل وقابلنا أولاد أحفاده فحكى لنا السيد عصام بأن الشيخ عليش وبيته ارتبطت به الكثير من الحكايات وأكد أن هذا البيت عمره يقارب الألف عام حيث أن الشيخ عليش كان مفتي الديار المصرية في عهد الخديوي توفيق ، وقص علينا حفيده قصة بمثابة معجزة – على حد قوله – تقول أن أيام الهوجة العرابية دخل الخديوي الجامع الأزهر فهم الناس قياما تحية للخديوي عدا الشيخ عليش الذي ظل جالسا مكانه فأعجب به الخديوي وبشجاعته ن ثم دعاه في اليوم التالي على وجبة الغذاء وعندما ذهب الشيخ جلس على المائة ولم يأكل مما وجد عليها مما لذ وطاب من أنواع الطعام ، ولما سأله الخديوي عن سبب إمتناعه عن تناول الطعام فأجابه بأن الطعام مشبع بدم الشعب المصري الذي تقتلونه وتسرقونه فكذبه الخديوي ، فأمسك الشيخ بالأرز واللحوم في قبضة يده وعصرها فنزل منها الدم ، وبعدها قام الخديوي بحبس الشيخ عليش وبعد فترة من الزمن قابله الخديوي وقال له بأنه سيعفو عنه فرد عليه الشيخ بأنه لا فائدة من هذا قائلا ” إني سأموت بعد ثلاثة أيام ” وبالفعل انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد ثلاثة أيام .
أما عن منزله فقد قالت السيدة زينه أحد أحفاده أنها كانت تسمع عن وجود ذهب مدفون بحديقة المنزل وقالت أنهم أرادوا أن يبنوا مبنى معين في الحديقة وعند الحفر وجدوا زلع من الذهب وعليها رصد ثعابين فخافوا منها وقاموا بالردم ثانية.
أولياء الله الصالحين
وخلال رحلتنا في شوارع القاهرة القديمة لفت إنتباهنا تغيير بعض أسماء الشوارع لتماثل أسماء المساجد والأضرحة الموجودة في مثل هذه الشوارع ، فمثلا منطقة الكحكيين والتي كانت تعرف قديما بشارع الكحكيين الذي اشتهر بعمل الكحك وصناعته تحول اسمه إلى شارع الدرديري ، وهذا ما قاله السيد أحمد إبراهيم وأكد عليه السيد خالد حيث قال أن الأسم تحول إلى الدرديري نسبة إلى مقام سيدي أحمد الدرديري والذي تحول لهذا الأسم منذ حوالي عشر سنوات.
وكذلك شارع عبد الله الجويني – درب المحروق سابقا – والذي سمي بهذا نسبة إلى مسجد الإمام عبد الله الجويني إمام الحرمين الشريفين منذ وقت طويل ، ولكن عن معرفتهم بمن هو المحروق فنفى كثير من أهل الشارع معرفتهم به.
الباطنية ملجأ الباشوات
وقادنا شارع عبد الله الجويني إلى منطقة الباطنية أو البطلية – باللغة الدارجة – والتي كانت مستودع المخدرات في وقت من الأوقات ، فقد قال السيد ممدوح بيومي ( خردواتي بالمنطقة ) بأن المنطقة في الماضي البعيد كانت مقر لشيوخ الأزهر وعلماؤه وطلبته المغتربين من كثير من بلدان العالم ، ثم في مرحلة تالية كان مقرا لتجارة المخدرات وفي هذا العصر إنقسمت الباطنية إلى منطقتين ” الوسعاية الصغيرة ” و ” الوسعاية الكبيرة ” والتي كانت المنطقة الأم لتجارة المخدرات حيث كان يجلس المعلمين على الموائد وداخل الخيم في هاتين الوسعاتين ويبيعون المخدرات وجعلوا ” النادورجية ” قائمين فوق أسطح المنازل وكانت كل عائلة متخصصة في نوع معين من المخدرات فنهم من يبيع الحشيش ومنهم من يبيع الفيون وغير ذلك – على حد قول الأستاذ ممدوح –، وأضاف أن هذا العصر كان عصر الخير و الرخاء بالرغم من انتشار الفساد حيث قال أنه بالنسبة له كان المعلمين يطلبون منه الكثير من الملابس التي يحيكها لهم بل وكان يرى بعينه العديد من الفنانين بعد منتصف الليل اللذين يأتون للحصول على المخدرات وذكر العديد من الأسماء المشهورة.
وقال أن هذه الفترة كانت دائما ما تحث فيها الشجارات بين التجار وبعضهم البعض والتي كانت تمتد لأيام معدودة وكانوا يستخدمون السنج والمطاوي والأسلحة البيضاء ، ولكنه أكد على أن هذا العصر انتهى تماما في الثمانينيات منذ حوالي 15 عام بعد ما احكم اللواء كمال عبد الله القبض عليهم وبعدها انتهت المنطقة من مشاكل المخدرات على حد قوله.
دروب عديدة
خرجنا من الباطنية بسلام بعد أن قالوا عنها في الماضي أن داخلها مفقود وخارجها مولود ، ثم أخذتنا أقدامنا إلى دروب عديد كان منها درب الهنود – تحت السباط سابقا – والذي لم يعرف أحد من سكان المنطقة لماذا سمي بدرب الهنود أو بتحت السباط ، ثم وصلنا إلى درب شغلان وقد روت عنه الحاجه أم سماح بأنه اشتهر بكثرة اللصوص به حتى خرج عنه مثل يقول ” درب شغلان اللي يخش مكسي يطلع عريان ” ، وأيضا دخلنا درب الأتراك الذي وصلنا إليه بعد أن عدنا هذه المسافة كلها ناحية الجامع الأزهر ، ويقول الحاج عبده الذي عاش في هذا الدرب لمدة 70 عام أنه أطلق عليه خذا الإسم نسبة إلى سكن الأتراك فيه وأوضح أن آخر سيدة تركية عاشت في المنطقة توفيت منذ عشرون عاما والتي كانت تربي حوالي 200 قطة ، وأضاف أن كثير من العلماء والمشاهير خرجوا من هذا الدرب منهم سعد زغلول والشيخ إسماعيل العدوي وأكد الحاج عبده أن الماضي كانت أيامه مليئه بالخير والبركة على عكس هذه الأيام وقد تمنى العودة للعيش في الماضي وسط الأتراك حيث رفض تغيير اسم الحارة بعد خروج الأتراك منها إلى حارة المصريين مبررا بأنه يفتخر بوجوده في درب الأتراك وأنه عاصرهم وعاش حياتهم.
مماليك زمان
بعد خروجنا من درب الأتراك قطعنا طريقنا متوجهين إلى شارع الغورية ومررنا منه إلى شارع المعز لدين الله – العقادين سابقا – داخلين حارة حوش قدم – خوش قدم – وقال عنه السيد جلال الجوهري أن سبب تسميته بهذا الإسم ترجع إلى أحد المماليك أو الأتراك وأكد السيد أحمد عبده أن ” قدم ” هو أحد المماليك الذين عاشوا في مصر قديما ، وأن كلمة ” خوش ” بالتركي تعني الطيب واسم خوش قدم تعني قدم الطيب ، ولكنه يقول أن الاسم الدارج بين أهل المنطقة هو حوش قدم.
وأضاف أن المنطقة اشتهرت بالمطاعم وخاصة بأنتيكة شهبندر التجار أبو الذهب ، واستطرد قائلا بأن العديد من المشاهير خرجوا من حوش قدم وكان منهم الشاعر أحمد فؤاد نجم.
ومازالت تأخذنا أقدامنا إلى أماكن بعيدة ولكنها مرتبطة معا بتاريخ واحد ، وصلنا إلى باب زويلة وشارع باب زويلة والذي يحمل اسم قبيلة زويلة وهي إحدى فرق الجيش الفاطمي التي قدمت إلى مصر بقيادة القائد جوهر الصقلي ، ويشتهر شارع باب زويلة بالطبع ببوابة زويلة وأيضا يشتهر بجامع السلطان شعبان وسبيل أمه أمامه على الناحية من حارة أم السلطان شعبان وهذا السبيل له حكاية قصها علينا السيد سعيد عبد النبي حيث قال أن أم السلطان شعبان وكان الولي آنذاك بعد موت زوجها كانت لها تعاملات سيئة السمعة مع الخدم فأخذها ابنها هي والخدم وقذفهم في البئر في هذا السبيل وردمه عليهم ومن هنا عرف سبيل أم السلطان شعبان.
ومن شارع باب زويلة خرجنا على شارع الدرب الأحمر والذي يمتد من باب زويلة جنوبا وحتى القلعة شمالا ، وقال أهل المنطقة أنه سمي بشارع الدرب الأحمر لأنه بعد مذبحة القلعة نزلت دماء المماليك وسلكت طريقها في هذا الشارع حتى وصلت عند باب زويلة ولذلك سمي الشارع بالدرب الأحمر.
الشوارع بأسماء الحرف
ثم دخلنا إلى شارع الدرب الأحمر والمقسم إلى مناطق كانت بدايتها منطقة الخيامية سابقا – قصبة رضوان حاليا – ولكن نفى كل من في الشارع تسميته بقصبة رضوان ، وحكى لنا الحاج ممدوح سالم بأن الخيامية كانت صناعة وتجارة رائجة حيث كانت تصنع الخيام للسلاطين والأمراء والأعيان وكانت السرادقات تنصب وتركب في المواسم والأعياد والإحتفالات ، وكانت تمر من أمامهم السوارس التي كانت تأتي من القلعة لشراء الخيام إضافة إلى سوارس التجار التي تمر من باب زويلة حتى تدخل سوق الغورية .
ويقال أن تجارة الخيام كانت تنشط خلال الحروب لتوفير أماكن معسكرات ومخيمات الجيوش وكانت فنا رائعا تخصصت فيه قلة قليلة من الأسر كانت تتوارثها أبا عن جد ، وأكد الحاج ممدوح أن صناعة الخيام تحولت إلى صناعة تقليد أي من صناعة يدوية فنية بديعة إلى قماش مطبوع بالألوان يصنعون منه الخدديات ، وقال أن عدد الدكاكين في الماضي كان أقل من الوقت الحالي فقد كان عددها في الماضي يصل إلى أربعة أو خمسة دكاكين أما الآن فقد وصل عددهم حوالي 40 دكان ، وأكد أن الماضي كان أجمل وأكثر راحة من الوقت الحضر.
ومن الخيامية إلى المغربلين مدة تصل إلى عشرة دقائق سيرا على الأقدام ، وقد سميت المغربلين نسبة للحرفة النشطة في هذه المنطقة بحكم إتساع تجارة الحبوب فقد كان من يتولى غربلة الحبوب بواسطة الغربال بهدف تنظيفها مما بها من شوائب ، ولكن أهل المنطقة كانت لهم آراء أخرى ، فقال السيد أشرف أن سبب التسمية أن المنطقة كانت تشتهر بصناعة الغربال كما قال أحد سكان المنطقة أن التسمية جاءت نتيجة سكن الكثير من المغاربة في المنطقة ، وقال أحد سكان المنطقة أن أشهر من خرج من المنطقة هو الفنان محمود المليجي.
وأخرجتنا منطقة المغربلين إلى منطقة السروجية والتي كانت تبيع تجهيزات الخيول للفرسان من سروج مطعمة بالذهب والفضة وأيضا اللباد الذي كان يوضع على ظهر الخيل تحت السرج الجلدي لحمايته من الإحتكاك.
ولكن أيضا أهل المنطقة كانت لهم آراء أخرى ، حيث قال السيد محمود عبد السلام أن يبب التسمية يرجع إلى أنهم كانوا يصنعون البفات والحقائب ، وقد تفرع من منطقة السروجية حارة العنبري والتي كانت تشتهر بمحلات العنبر والنشوء والتي كانت تحل محل السجائر ، كما كانت تشتهر ببيع السلاح والمخدرات ، حيث بدأ من عندها شارع سوق السلاح والذي سمي الآن بشارع علوي حافظ ، ولكن أهل المنطقة لم يعترفوا لها سوى باسم واحد وهو اسم شارع سوق السلاح والذي كان مخصص لبيع القسى ” جمع قوس ” والنشاب والزرديات وغيرها من أسلحة الفرسان والمشاه ، وبعدها اشتهر بتصنيع السيوف كما قال السيد محمد كمال الخراط بشارع سوق السلاح ، وأكد أن الشارع اشتهر أيضا بالحدادين وجاء وقت استخدم الشارع في تسريب السلاح المهرب ، ومن ثم تعرضت المنطقة لهجوم رجال الشرطة عليهم أكثر من مرة ، وأكد السيد محمد أن هذه المهن انقرضت وحل محلها بعض المهن العصرية مثل المطاعم والمحلات الكهربائية وغيرها.
وكان شارع سوق السلاح هو نهاية مطاف رحلتنا حيث خرجنا منه متجهين إلى القلعة مستخلصين نتيجة تقول أن الحنين للأسماء القديمة لا يمحى من عقول الناس بأمر رسمي حيث توارثونه عن آبائهم وأحبائهم ولا يرجع التمسك بالأسماء القديمة إلى رفض الأسماء الجديدة بقدر ما هي تعود إلى الإحساس بالحنين إلى القديم والندم على عدم إستمراريته.

No comments:

Post a Comment